Friday, June 2, 2017

هل أنت بارع؟ Are you a Master| الجزء الأول





حين تعبر شخصا بارعا في أمر ما يليق بك ، غالبا ما تفكر بتعلم هذه الحرفة أو تجربة هذه الرياضة، أحيانا
 تستحوذ 
على اهتمامك و إيمانك لتتضاعف رغبتك بأن تصبح بارعا بذلك.
قرأت في الفترة الماضية كتاب يدعى "البراعة" لجورج لينورد . الكتاب الذي اعتبرته جوهري و ثمين بعد أن قرأته
و من هذا المنطلق أحببت أن أختصر أفكار الكاتب ليسهل على فئة أوسع الاستفادة منه خاصة حين لم أَجِد نسخة مترجمة عنه.
Related image
 
كي لا يطول الحديث، سأقتسم المقالة إلى جزئين لتكون وجبة غير دسمة ولكنها قيمة المحتوى .. 
تمنياتي بقراءة مثمرة .

قد تكون بارعا في نمط الحياة الصحية، أو حرفة يدوية، قد تكون مهارة أساسية أو ثانوية..
قد تكون بارعا في لعبة التنس ، المكياج، أو حتى التعمق علميا في تخصصٍ   ما..

إن البراعة كما هي عصية على التعريف فهي سهلة الملاحظة، تأتي بأشكالٍ عدة رغم أنها 
تتبع قوانين ثابتة.هي ليست في الواقع غايةً أو وجهة ولكنها تعتبر طريقة، رحلة.
نحن نطلق على هذه الرحلة، البراعة. 

عادة نقوم بالاعتقاد بأنها تتطلب تذكرة خاصة لا يملكها إلا أولئك الذين يملكون الإمكانيات العظيمة و ذوي
 المواهب الخارقة أو أولئك الذين حالفهم الحظ بأن يبدأوا بوقت مبكر دون عمر، أو تجارب سابقة محددة. و لكنها لا تتقيد بأي من ذلك كله.
المشكلة أننا نواجه صعوبة في إيجاد الخريطة المؤدية لطريق البراعة، 
نحن نعيش في عالم يقوم على الترويج للنتائج السريعة ، الطرق المختصرة، النجاحات اللحظية،  و الراحة المؤقتة.
 و للأسف هذه جميعها تؤدي إلى الطرق البعيدة و المعاكسة تماما عن طريق البراعة.
إن هذا ما يزرع بداخلنا التوقعات بأن على الحياة أن تكون سلسلة من هذه اللحظات المثالية، و لشدة طمعنا 
للوصول إليها
نحن نفقد الصبر و الحماس و الاستمتاع في رحلة البحث عنها  ، نحن نعمل لهذا الهدف و من  المفترض أن نعمل لأجل !!البراعة فيما رغبنا بتعلمه، نعمل لنصبح بارعين فيه لا لنصل للحظة النصر الخيالية!.

تأمل الرسوم البيانية التالية، فهي كخريطة توضح اختلاف شخصياتنا في التعامل مع أهدافنا،

Image result for mastery by george leonard

في بداية الطريق أمام، حرفة، علاقة، وظيفة، أو رياضة جديدة  نأخذ عدة شخصيات 
,الهاوي
 Dabbler،
المهووس
 Obsessive
و القرصان 
Hacker
أما الهاوي، فهو يبدأ بحماسة شديدة ، يعشق بريق البدايات و في أول علو أو قفزة يطير فرحا بإنجازه يخبر الجميع بذلك و تزداد حماسته للمزيد، و لكن مع أول قاع يصاب بالصدمة و يتلاشى حماسه و يعتقد أنها علامة انسحاب مرسلة له .
كمثل الذي يغير هواياته واهتماماته كثيرا، يغير كثيرا حتى في علاقاته وعمله.
أما إن تحدثنا عن سلوك المهووس، فهو الذي يركز على النتائج ، يُؤْمِن أن عليه النجاح من المحاولة الأولى لا مجال للفشل! ويحاول أن يكون الأفضل في أقصر وقت و أقصى جهد ، يعمل لأجل التطور باستمرار و لا يسمح بأخذ أي هدنة أو نصيحة من طرف آخر هو يعمل كالآلة فحينما يتعطل أو يسقط هو يتأذى كثيرا و يتأذى معه كل من حوله.
ختامها القرصان، يحب الخط المستقيم ، لا يعبأ بالتطور مادام قادرًا على أداء الأساسيات في العمل، يعمل فقط ليسد الحاجة و يبحث دائما عن الطرق المختصرة لذلك.
قد تكون هاويا في الحب، قرصانا في العمل ، و مهووسا بشيء آخر ، فهذه ليست شخصيات معممة بل سلوك و منحنيات نسلكها في التعلم و جميعها خاطئة و ضد البراعة!


-:للبراعة حسب جورج ليونارد خمس مفاتيح ،

المفتاح الأول، البحث عن مصادر العلم

أفضل ما تقدمه لرحلتك هو البحث عن أفضل ما يمكنك التعلم من خلاله ، سواء كان ذاك تعليم مباشر أو عن طريق الكتب ، الانترنت ، الوسائل المختلفة..
اما التعليم المباشر وهو أفضل الأنواع لوجود تفاعل و تقييم و تطوير و تحسين من قبل خبير لكن مهارة الفرد في حرفة ما لا تعني مهارته في تعليمها . فالتعليم هو القدرة على التعامل بحماسة وفعالية مع المبتدئين وحتى الأقل من العاديين كما هو الحماسة في العمل مع الموهوبين.
المدرب الناجح ليس بصاحب الكلمات الصاخبة اللامعة، بل هو القادر على إشراك جميع الطلاب على اختلافهم في عملية التعليم.
أن تدرك جودة المعلم الذي تتلقى منه ، بالطريقة التي يعامل فيها تلاميذه ، فهم فنه الذي يصنعه ،على سبيل أن تحضر أحد دروسه مثلا لتراقب تلاميذه  كيف يتفاعلون معه و هل يعتمد هو على سمة التحفيز أم النقد ؟

المفتاح الثاني، الممارسة

"البارع هو من يبقى في التدريب خمس دقائق إضافية عن بقية المتدربين" - قول مأثور
الممارسة بحسب طريقة جورج لينورد هي ليست بشيء تفعله، بل شيء تملكه.
بمعنى أن الممارسة ليست بعملية مؤقتة محددة بمدة زمنية تقررها أنت مسبقاً.
البراعة تعني أنك عزمت على جعل الممارسة جزء من حياتك ، و التدريب عملية مستمرة كصاحب الحزام الأسود مثلا الذي لا يكف عن التمرن حتى بعد نيله الحزام.
و هذا بحسب رأي الكاتب هو ما يجعل الخطط المبنية على أهداف (زمنية) خاصة في بداية كل سنة ليست ناجحة ، فلا تستطيع القول (بعد خمسة أشهر سأكون بارعاً في الكرة) لكن عليك القول (هذه السنة سأبدأ الممارسة و التدريب على الكرة لأكون بارعا فيها)
إن التدريب عملية مستمرة وليست وقتية، تؤديه لأنك تحب ما تفعله فضلا عن أنه لأجل أن تشطب هدفا من القائمة فقط. عليك أن تحب وقت التدريب لأنه جوهر الرحلة!

المفتاح الثالث، التسليم

شجاعة البارع تقاس بقدرته أو قابليته على التسليم!
بمعنى أنه يسلم نفسه ويتركها لتتعلم . فحين يقوم المدرب بتدريبك على أساسيات تعتقد أنك تخطيتها منذ زمن يجب عليك الإنصات و فعل ما يتطلب منك فأنت من اختار هذا المعلم لقناعتك بقدراته.
و التسليم بالنسبة للبارع يعني أنه لا يوجد خبراء بل يوجد متعلمين . هؤلاء المتعلمين لديهم الجرأة والشجاعة ليتعلموا من جديد ، ليستمروا في عملية التعليم بلا إحساس بأنهم أصبحو الخبير الذي تعلم كل شيء فلا يصبح الكبرياء حاجزاً بينهم وبين معلميهم.

  المفتاح الرابع، القصد و التصور

القصد بمعنى تصور الوجهة المطلوبة، الكثير من الرياضيين و لاعبين البيسبول يقولون أنهم يتخيلون شكل الكرة وهي قادمة
 وكيف سيضربها المضرب من أية زاوية قبل أن ترمى الكرة.
أصحاب التصور الواضح يملكون مفتاحاً مهما من مفاتيح البراعة. خاصة في تصور الصورة النهائية للحركة، اللوحة، أو الضربة وما إلى ذلك بجانب أن الكثير من العلماء توصلو للعديد من الاكتشافات من خلال تصوراتهم الدقيقة .

المفتاح الخامس، الحافة

الحافة للبارعين هي أنهم من حين لآخر يحاولون تحدي قدراتهم و يدفعون بأنفسهم لتحديات جديدة و المخاطرة لأجل آداءٍ أفضل  ليكتشفوا ما قد يكون بقدرتهم فعله ، هي كجزء يظهر في الطريق على فتراتٍ متباعدة لكنه لا يبدأ في الظهور إلا بعد قطع مشوارٍ طويل من المفاتيح السابقة في التعليم والممارسة و التسليم و القصد. 
أحيانا يكون دفع النفس إلى الحافة يفسر كعملٍ بطولي أو فعل أحمق ، الحافة قد تهلك صاحبها ولكنها قد تصنع اللحظات الساحرة و النتائج العظيمة التي تزيد من براعة الشخص.



يجدر الذكر بأن جسم الإنسان قد خلق على مبدأ التوازن ، فجميع العمليات الحيوية والتفاعلات على تواصل
 معقد لأجل إتمام التوازن , على سبيل المثال حين ينقص مستوى الماء في الجسم يقوم الجسم بحصر البول في الداخل  و الاحتفاظ بالماء للأعضاء الرئيسية فيشعر الإنسان بالجفاف والعطش الشديد لأجل أن يشرب و يعوض الجسم .
عليك أن تعي أن جسدك سيكون ضد أي تغيير مفاجئ فعندما تقرر الذهاب للرياضة لأول مرة سيتفاجئ الجسم و يحاول أن يرسل إشارات طارئة لأجل أن توقف هذا التغيير المفاجيء عليه. إن تفهمت حيلة التوازن في جسدك فلن يمنعك ذلك في الاستمرار في التدريب.
ما باستطاعتك فعله هو أن تتفاوض مع هذه المقاومة أمام التغيير سواء في جسدك، في يومك، في محيط الأسرة أو الأصدقاء.
بأن هذه الرحلة ستكون جزء مهم من حياتك اليومية وقد يتأثر كل من العناصر السابقة بذلك.
من أدوات التفاوض أمام مقاومة التغيير هي أن تأخذ خطوة للوراء مقابل كل خطوتين للأمام ، لا تنسحب أمام الأضواء الحمراء ، ادفع بنفسك مع وعيك أن كل عملية تغيير مصحوبة بمقاومة لأجل التوازن القديم ولكنك ستعيد تشكيل هذا التوازن مع الوقت. لا تنس أن الدعم المحيط بك جداً مهم لرحلتك ،و لنموك . يهمك أيضا أن 
تصنع لك عادة متكررة من الممارسة و تكرس نفسك لعملية التعليم.


إن رحلة البراعة محفوفة بالعوائق التي لو عقلناها سنتجاوزها بإذن الله ، و متطلبة لقدرٍ عالٍ من الطاقة التي علينا شحذها من مصادر مختلفة، و هذا ما سيدرج 
في الجزء القادم بإذن الله.

No comments:

Post a Comment